سورة لقمان - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


{وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24)}
قرئ: {يحزنك}، و {يحزنك} من حزن، وأحزن. والذي عليه الاستعمال المستفيض: أحزنه ويحزنه. والمعنى: لا يهمنك كفر من كفر وكيده للإسلام، فإن الله عزّ وجلّ دافع كيده في نحره، ومنتقم منه، ومعاقبه على عمله {إِنَّ الله} يعلم ما في صدور عباده، فيفعل بهم على حسبه {نُمَتّعُهُمْ} زماناً {قَلِيلاً} بدنياهم {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلى عَذَابٍ غَلِيظٍ} شبه إلزامهم التعذيب وإرهاقهم إياه باضطرار المضطرُّ إلى الشيء الذي لا يقدر على الانفكاك منه. والغلظ: مستعار من الأجرام الغليظة. والمراد. الشدّة والثقل على المعذّب.


{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)}
{قُلِ الحمد لِلَّهِ} إلزام لهم على إقرارهم بأنّ الذي خلق السموات والأرض هو الله وحده، وأنه يجب أن يكون له الحمد والشكر. وأن لا يعبد معه غيره، ثم قال: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أنّ ذلك يلزمهم، وإذا نبهوا عليه لم ينتبهوا {إِنَّ الله هُوَ الغنى} عن حمد الحامدين المستحق للحمد، وإن لم يحمدوه.
قرئ: {والبحر} بالنصب عطفاً على اسم إنّ، وبالرفع عطفاً على محل إن ومعمولها على معنى: ولو ثبت كون الأشجار أقلاماً، وثبت كون البحر ممدوداً بسبعة أبحر. أو على الابتداء والواو للحال، على معنى. ولو أنّ الأشجار أقلام في حال كون البحر ممدوداً، وفي قراءة ابن مسعود: و {بحر يمدّه} على التنكير، ويجب أن يحمل هذا على الوجه الأوّل. وقرئ: {تمدّه} و {يمدّه} بالتاء والياء.
فإن قلت: كان مقتضى الكلام أن يقال: ولو أنّ الشجر أقلام، والبحر مداد.
قلت: أغنى عن ذكر المداد قوله: يمدّه، لأنه من قولك: مدّ الدواة وأمدّها، جعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة، وجعل الأبحر السبعة مملوءة مداداً، فهي تصب فيه مداداً أبداً صباً لا ينقطع. والمعنى: ولو أنّ أشجار الأرض أقلام، والبحر ممدود بسبعة أبحر. وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله، لما نفدت كلماته ونفدت الأقلام والمداد، كقوله تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَاداً لكلمات رَبّى لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّى} [الكهف: 109].
فإن قلت: زعمت أنّ قوله: {والبحر يَمُدُّهُ} حال في أحد وجهي الرفع، وليس فيه ضمير راجع إلى ذي الحال.
قلت: هو كقوله:
وَقَدِ اغْتَدَى وَالطَّيْرُ فِي وُكُنَاتِهَا ***
وجئت والجيش مصطف. وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف. ويجوز أن يكون المعنى: وبحرها، والضمير للأرض.
فإن قلت: لم قيل: {مِن شَجَرَةٍ} على التوحيد دون اسم الجنس الذي هو شجر؟ قلت: أريد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة، حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة إلا قد بريت أقلاماً.
فإن قلت: الكلمات جمع قلة، والموضع موضع التكثير لا التقليل. فهلا قيل: كلم الله؟ قلت: معناه أنّ كلماته لا تفي بكتبتها البحار، فكيف بكلمه؟ وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها نزلت جواباً لليهود لما قالوا: (قد أوتينا التوراة وفيها كل الحكمة) وقيل: إن المشركين قالوا: إنّ هذا- يعنون الوحي- كلام سينفد، فأعلم الله أن كلامه لا ينفد. وهذه الآية عند بعضهم مدنية، وأنها نزلت بعد الهجرة، وقيل هي مكية، وإنما أمر اليهود وفد قريش أن يقولوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألست تتلو فيما أنزل عليك: أنا قد أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء {أَنَّ الله عَزِيزٌ} لا يعجزه شيء {حَكِيمٌ} لا يخرج من علمه وحكمته شيء، ومثله لا تنفد كلماته وحكمه.


{مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)}
{إِلاَّ كَنَفْسٍ واحدة} إلا كخلقها وبعثها، أي: سواء في قدرته القليل والكثير، والواحد والجمع، لا يتفاوت، وذلك أنه إنما كانت تتفاوت النفس الواحدة والنفوس الكثيرة العدد: أن لو شغله شأن عن شأن وفعل عن فعل، وقد تعالى عن ذلك {إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} يسمع كل صوت ويبصر كل مبصر في حالة واحدة، لا يشغله إدراك بعضها عن إدراك بعض، فكذلك الخلق والبعث.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7